ما حكم المحكمة في
طلاق الغضبان ؟ و الطلاق ثلاثا ؟
جاء في أحد القضايا
أن امرأة رفعت قضية على زوجها تقول في دعواها (إن المدعى عليه هو
زوجي تزوجني تقريباً في عام ١٤١٥هـ ، ودخل بي الدخول الشرعي ، وأنجبت منه ابنتين
وابنا ، وهم (...) المولودة بتاريخ ٢١/ ٩/ ١٤١٧ هـ ، و(...) المولودة بتاريخ ٢١/ ٤/
١٤٣٤ هـ ، و(...) المولود بتاريخ ١/ ٧/ ١٤١٩هـ ، وفي شهر شعبان لعام ١٤٣٤هـ طلقني
، وتم رفع واقعة الطلاق إلى مفتي عام المملكة العربية السعودية عن طريق هذه
المحكمة ، وأفتى سماحته بأن الطلاق غير واقع ، وبعد ذلك بشهرين في ذات السنة ، أي
: في شهر شوال طلقني قائلاً : أنت طالق ، ثم طالق ، ثم طالق ، ثم قام بطردي من
المنزل أنا وأولادي ، وذهبت للسكن في منزل شقيقي (...) المعرف بي ، ومن ذلك
التاريخ وحتى الآن مر علي ثلاث حيضات ولم يثبت زوجي طلاقه لي ، ولم يصرف علي ولا
على أولاده ؛ أطلب إثبات هذا الطلاق. )
ثم طلبت المحكمة من زوجها الجواب على الدعوى (وبعرض الدعوى على
المدعى عليه صادق على كل ما جاء فيها جملة وتفصيلاً ، وقال : ما ذكرته المدعية من الزواج
وتاريخه والدخول بها وإنجاب الأولاد المذكورين منها والإفتاء بعدم وقوع الطلاق
الأول وتلفظي بالطلاق الثاني ، وأني قلت لها : طالق ، ثم طالق ، ثم طالق ، وأني
أخرجتها من بيتي مع أولادها من شهر شوال إلى الآن فكله صحيح إلا أني أعارض على
إيقاع الطلاق الأخير لكوني طلقتها وأنا غضبان غضباً شديداً لا أملك معه نفسي. )
ثم سألت المحكمة الزوج ( فسألته : ألديك
بينة على صدور طلاقك في شدة الغضب ؟ فقال : لا )
فحكمت المحكمة (فبناء على ما سبق من الدعوى والإجابة ،
ولمصادقة المدعى عليه على دعوى المدعية ، ولإقراره بصدور الطلاق الأخير منه على
الصفة المذكورة في الدعوى ، وقوله لإمرأته : طالق ، ثم طالق ، ثم طالق ؛ قاصداً
إيقاع الطلاق الثلاث ، ودفعه بأنه صدر منه حال غضبه غضباً شديداً ، وأنه كان لا
يعقل ما يقول ، ولإنكار المدعية ذلك ، ودفعها بأنه كان غضباً متوسطاً ؛ وحيث قرر
المدعى عليه أن لا بينة لديه على ذلك ، ولإقرار الزوجة بأنها كانت وقت الطلاق
طاهراً ، ولا تعلم هل حصل في هذا الطهر جماع أم لا ، ودفع الزوج بعدم علمه مطلقاً
عن حال المرأة حين الطلاق ، ولكون المرأة المدعية قررت مضي ثلاث حيضات عليها بعد
وقوع هذا الطلاق ، ولما قرره الفقهاء من وقوع طلاق الغضبان . قال البهوتي في كشاف
القناع : ( والغضبان مكلف في حال غضبه بما يصدر منه من كفر ، وقتل نفس ، وأخذ مال
بغير حق ، وطلاق ، وغير ذلك . قال ابن رجب في شرح الأربعين النووية : ما يقع من
الغضبان من طلاق وعتاق أو يمين فإنه يؤاخذ به ، وفي نسخة بذلك كله بغير خلاف
واستدل بذلك بأدلة صحيحة ، منها حديث خويلة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت الآتي
في الظهار ، وفيه غضب زوجها ، فظاهر منها ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ،
فأخبرته بذلك ، وقالت : إنه لم يرد الطلاق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما
أراك إلا حرمت عليه . خرجه ابن أبي حاتم ، وذكر القصة بطولها وفي آخرها قال : فحول
الله الطلاق فجعله ظهارا. ومنها ما روي عن ابن عباس وعائشة وغيرهما في ذلك ، وأطال
، وذلك في شرح الحديث السادس عشر من الأحاديث المذكورة ، وأنكر على من يقول بخلاف
ذلك ؛ لأنه مكلف على ما دلت عليه الأخبار لكن إن غضب حتى اغمي أو أغشي عليه لم يقع
طلاقه في تلك الحال لزوال عقله أشبه المجنون ). انتهى (١٢/ ١٨٦، ١٨٧) ، ولما قرره
شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله من أن طلاق الثلاث المجموعة في طهر واحد محرم
، ولا يلزم إلا طلقة واحدة سواء كان بكلمة واحدة أو كلمات . قال رحمه الله : ( وإن
طلقها ثلاثا في طهر واحد بكلمة واحدة ، أو كلمات ، مثل أن يقول : أنت طالق ثلاثا ،
أو انت طالق ، وطالق ، وطالق ، او أنت طالق ، ثم طالق ، ثم طالق ، أو يقول : أنت
طالق ، ثم يقول: أنت طالق ، ثم يقول : أنت طالق ، أو يقول : أنت طالق ثلاثا ، أو
عشر طلقات ، او مئة طلقة ، أو ألف طلقة ، ونحو ذلك من العبارات. فهذا للعلماء من
السلف والخلف فيه ثلاثة أقوال سواء كان مدخولا بها ، أو غير مدخول بها ، ومن السلف
من فرق بين المدخول بها وغير المدخول بها ، وفيه قول رابع محدث مبتدع ، ثم ساق
القولين الأولين ، ثم قال الثالث : إنه محرم ، ولا يلزم منه إلا طلقة واحدة ، وهذا
القول منقول عن طائفة من السلف والخلف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
مثل الزبير بن العوام ، وعبد الرحمن بن عوف ، ويروى عن علي وابن مسعود وابن عباس
القولان ، وهو قول كثير من التابعين ، ومن بعدهم ، مثل طاووس ، وخلاس بن عمرو
ومحمد بن إسحاق ، وهو قول داود وأكثر الصحابة ، ويروي ذلك عن أبي جعفر محمد بن علي
بن الحسين وابنه جعفر بن محمد ، ثم قال رحمه الله : وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة
ومالك وأحمد بن حنبل ) انتهى. انظر مجموع الفتاوى (٣٣/ ٣ و ٤) ، وقال رحمه الله في
موضع آخر (٣٣/ ٨٣) : وكان أحمد يرى جمع الثلاث جائزا ، ثم رجع أحمد عن ذلك ، وقال
: تدبرت القرآن ، فوجدت الطلاق الذي فيه هو الرجعي ، أو كما قال ، واستقر مذهبه
على ذلك ، وعليه جمهور أصحابه. انتهى ، ولقوله تعالى : (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ
فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ
تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا
حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ
عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا
وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩) فَإِنْ
طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ
يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ (٢٣٠)) الآيات ٢٢٩ و ٢٣٠من سورة البقرة . قال ابن تيمية رحمه الله بعد
قول الله : ( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ) : ( فبين أن الطلاق الذي ذكره هو الطلاق
الرجعى الذي يكون فيه أحق بردها هو مرتان مرة بعد مرة ، كما إذا قيل للرجل : سبح
مرتين ، أو سبح ثلاث مرات ، أو مئة مرة ، فلا بد أن يقول : سبحان الله ، سبحان
الله حتى يستوفي العدد ، فلو أراد أن يجمل ذلك ، فيقول سبحان الله مرتين أو مئة
مرة لم يكن قد سبح إلا مرة واحدة ، والله تعالى لم يقل : الطلاق طلقتان ، بل قال :
مرتان ، فإذا قال لامرأته : أنت طالق اثنتين ، أو ثلاثا ، أو عشرا ، او ألفا لم
يكن قد طلقها إلا مرة واحدة . انظر مجموع الفتاوى (٣٣/ ٧ و٨) ، وقال رحمه الله: (
ولا نعرف أحدا طلق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم امرأته ثلاثا بكلمة واحدة
فألزمه النبي صلى الله عليه وسلم بالثلاث ، ولا روي في ذلك حديث صحيح ولا حسن ،
ولا نقل أهل الكتب المعتمد عليها في ذلك شيئا ، بل رويت في ذلك أحاديث كلها ضعيفة
باتفاق علماء الحديث ، بل موضوعه. والذي في صحيح مسلم وغيره من السنن و المسانيد
عن طاووس عن ابن عباس أنه قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر : إن الناس قد
استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم .انتهي . من
مجموع الفتاوى (٣٣/ ٨ -٩) ؛ لذلك كله فقد ثبت لدي طلاق زوج المدعى عليه
(...)لزوجته المدعية (...) ثلاث تطليقات بألفاظ متفرقة بمجلس واحد ، وحكمت بوقوع
هذا الطلاق طلقة واحدة ، وهي الطلقة الأولى ، وأن الزوجة المدعية قد بانت من زوجها
المدعى عليه بينونة صغرى لانتهاء عدتها بالحيض ثلاث حيضات بعد هذا الطلاق ، وأفهمت
الزوج المدعى عليه بأن طلاقه هذا طلاق محرم ، وعليه التوبة إلى الله منه ، وأن
طلاق السنة أن يطلق طلقة واحدة ، وأن المرأة حرمت عليه ، ولا تحل له إلا أن يعقد
عليها عقدا جديدا مستوفيا لأركانه وشروطه المعتبرة ، وقررت التهميش على عقد النكاح
بذلك بعد اكتساب الحكم القطعية ، هذا ما ظهر لي . )
للاطلاع على القضية كاملة اضغط هنا
تعليقات
إرسال تعليق